الفيس بريسلي

حظاً أفضل
هو ارون بريسلي المولود في 8/11/1935 لأسرة متواضعة في ولاية مسيسبي الأمريكية تسكن بيت مكون من حجرتين، والده فيرون ووالدته جلاديس كان قد ولداه مع أخيه التوأم جيسي، الذي توفى فور ولادته وكان ارون أو الفيس بعد ذلك أفضل حظاً منه في الولادة وربما في الحياة.
عاش الفيس طفولة عادية كابن وحيد لوالديه، وكان حظه رائعاً في أب وأم يعملون على تدليله واستجابة طلباته في كل حين، حتى بعد أن انتقلوا إلى ممفيس في عام 1948، ومن ثم تمكن الفيس بدعم ابويه من الحصول على الشهادة الثانوية في عام 1953.
كان الفيس محظوظاً جداً بوالده الذي أهداه جيتاراً ليعزف عليه وليكون صديقه الدائم، ومن وقتها أيقن الفيس أنه يمتلك حظاً وافراً يدفعه إلى مجال الموسيقى والغناء، وكان الفيس منبهراً بموسيقى الكونري والروك ويسغى ليمزج بينهما في العزف على جيتاره، ختى أنه كان يذهب إلى الكنيسة لمجرد سماع الترانيم والألحان دون عبادة حقيقية.
في نفس عام تخرجه ورغم البطالة التي كانت تملاً أمريكا وقتها وعانى منها أجيال، إلا أن حظ الفيس كما يعتقد كان أقوى منها، فقاده حظه إلى أبواب استوديوهات سان، حيث كان مسؤلوه يبحثون وقتها على مغني وسيم يغني ويرقص مثل السمر وفي نفس الوقت يكون أبيض وكان هذا صعباً إذ كانت أمريكا لا تزال تعاني من العنصرية تجاه السود، وحين التقوا الفيس ظنوا وقتها أنهم وجدوا ضالتهم حيث أنه كان يعزف ويغني ويرقص في نفس الوقت وبنفس الاسلوب المطلوب، وايقنوا وقتها انهم مخظوظون في لقائه، في الوقت الذي ايقن فيه هو أنه أكثر حظاً من كل سكان الأرض حتى أن حلمه بدأ في التحقق وهو لم يكمل عامه العشرون.
الناس تندب حظها العاثر، الاسم العائلة البلد المهنةالزوجة.
الناس جميعها مقتنعة أنها تستحق أفض من هذا الحظ، وتلقي بسبب كل مشكلة عليه.
الناس تتابع أبراج الحظ، مسابقات الحظ، قصص الحظ وتتمنى أن تحقق الحظ الأفضل.
الناس تحسد الأخرين على الحظ وتنسب كل نجاح في حياتهم له.
ولكن هل الحظ وحده يكفي؟ وماهو الحظ الأفضل؟
نتابع باقي رحلة الفيس كواحد من الناس يبحث عن الأفضل.
جمال أفضل
بدأ الفيس بتكوين فرقته الموسيقية الصغيرة، وبدأ بتسجيل أغنيتين بعنوان "بلو موون" و "زاتس ال رايت" ومنها استطاع أن يبدأ مشوار الشهرة والفن.
ولكن حتى هذه اللحظة كان الفيس مطربا عادياً، ولكن ثمة أمر مختلف فالفيس منذ بدايته وضع نصب عينيه أن يكون شكله ومظهره هو الأفضل بين كل مطربين جيله، فسعى منذ بدايته أن يكون له شكلاً يلهب القلوب ويذهب العقول.
من هنا وبمساعدة أشهر مساعديه ويدعى "توم بارك" بدأ الفيس في تقديم نفسه للجمهور ليس كمغن فقط ولكن كمن يرقص ويعزف على المسرح، بل كصاحب أفضل منظر وشكل يسعى إليه الجمهور.
فبالإضافة إلى موهبته كانت له تسريحة شعر مميزة التي كان يقضي الساعات في تصفيفه وصبغه، ألوان ملابسه الفاتحة والجريئة، فضلاً عن تمتعه بكل ما هو جديد من فنون الموضة التي جعلت الشباب يتلهفون ليس فقط لسماع أغانيه بل متابعة الجديد في الملابس والتقاليع وهنا كان الرجل الأفضل شكلاً في العالم.
أقرن الفيس لبسه بطريقة غريبة في الغناء مثل: الرقص الهيستيري على المسرح، وطريقة مسك الجيتار، ورفعة اليد، ورقصة التويست كل هذا جعله الملك كما توجه شباب جيله.
ولأن شهرة الفيس كانت طاغية، فجذب بمظهره وطريقة غنائه جميع أطياف الشباب الأمريكي الأسود والأبيض، العني والفقير لأن الجميع كانوا يقلدوه في شكله ومظهره تماماً وكان بالنسبة لهم القدوة الأفضل شكلاً.
ولهذا لم يخف الفيس حين انضم للجيش الأمريكي من عام 58 إلى 60، ووقتها اكتملت القدوة أمام الشباب، وشعروا أنهم أمام شخص يتحمل المسؤولية ولو ظاهرياً، فأطلق اسم الفيس على آلاف الشباب وقتها.
الناس تهتم بالمظهر دون الجوهر، وتسعى للشكل الأفضل.
الناس تلهث وراء الموضة، الشعر، اللبس، تقليد أعمى للمشاهير.
الناس تلتمث القدوة من المشاهير مثل الأعمال الخيرية لهم أو مشاركتهم المجتمعية.
الناس تنخدع بالابتسامة أمام الكاميرا والصور والافيشات دون الجوهر.
المظهر يحتاج لجوهر يثبته، ويدعم بقائه.
دخلاً أفضل
بعد رجوع الفيس من الجيش وجد أن الساحة الغنائية قد تغيرت، فأصبح هناك منافسين له أستغلوا غيابه، وفي نفس الوقت كان فد تأثر مادياُ وقل دخله بشكل كبير، وهنا كانت بداية مرحلة جديدة في حياته سعى فيها الفيس أن يستعيد عرش الغناء الذي فقده وفي نفس الوقت زيادة دخله الذي يمكنه من أعادة انتاج أغانيه والصرف على مظهره المبهر.
اندفع الفيس للغناء في السينما حيث الأموال الكثيرة، فمثل حوالي 30 فيلماً من اشهرها "تحيا لاس فيجاس" و "هاواي الزرقاء" ومسرحيتين، وتحسن دخله جداً ولكن هل من مزيد.
وفي عام 1967 تزوج الفيس من الفتاة الجميلة الغنية "بريسلا" وأنجبا ابنتهما الوحيدة ليزا التي تزوجت من اسطورة البوب مايكل جاكسون.
وبعد أن تحسن دخله من التمثيل لم يكتف بهذا بل صمم على أن يكون صاحب الدخل الأفضل بين أقرانه، فركز في عام 1968 على العودة مرة أخرى لعرش الغناء واجهاض جميع منافسيه، وخطا بخطوات سريعة نحو استعادة مظهره ورونقه وأفضليته.
وبدأ الفيس مرة أخرى باشهر أغاني عرفها هذا الجيل مثل "لا تكن قاسياً" و "أحبني بلطف" و "صخر السجن"، وبهم حطم الفيس كل الأرقام القياسية، فوصلت مبيعاته إلى 750 مليون نسخة مباعة في أمريكا وأوربا، وكانت له 120 أغنية وصلت لقائمة أفضل 40 أغنية، منها 24 في قائمة أفضل 5 أغان على مستوى العالم، كل هذا أدر عليه الآلاف من الدولارات معها ولكن هل من مزيد.
في تلك الفترة انتشرت حُمة "الملك" كما يلقبونه في كل أنحاء العالم، حتى أنها أجبرت الأحزاب السياسية على تغيير أجندتها والاهتمام بمطالب الشباب وأحلامهم التي رأوها في الفيس، والاستفادة من قوتهم الشرائية، مما أكسبه المزيد من العلاقات والصداقات السياسية، جعلته هدفاً لكل القوى والاتجاهات في المجتمع الأمريكي. مما أكسبه المزيد من الأموال.
وبمرور السنين كان الفيس قد سجل 150 ألبوم فردي وجامع، وباع أكثر من مليار وحدة صوتية40% منها خارج امريكا، مما جعله كما أراد ليس فقط الأفضل حظاً، وشكلاً، بل الأفضل دخلاً في التاريخ وأصبح ملك الرول أند رول بكل جدارة وانفراد.
الناس تبحث عن الدخل الأفضل في عمل أخر، مكان أخر، هجرة، سفر، غرق في البحر.
الناس تبحث عن تحطيم ارقام المنافسين، في بورصة، شركة، مجال معين.
الناس لا تكتفي من الدخل والمقارنة مع الأخرين، بل تطلب الدخل الأفضل.
نهاية أفضل
إلى هنا وصل الفيس إلى نهاية كل شيء، فحظه الأفضل أدخله إلى مجال الفن والغناء، وشكله الأفضل رسم أسطورة حوله لملايين الشباب، ودخله الأفضل مكنه من تحطيم كل الأرقام القياسية العالمية، ولكن ثمة أمر يحتاج إليه الفيس، أن تكون نهايته هي الأخري النهاية الأفضل!.
تسارعت الأحداث بشكل غير عادي وبصورة سيئة في حياة الفيس، فصادف زواجه من بريسلا مشاكل عديدة انتهت بالطلاق، وهو الحدث الذي أثر في نفسيته كثيراً، فأصبح فارس الرومانسية والحب هو نفسه أكبر فاشل في الحب، وهنا ندب حظه الذي كان يفتخر به أنه الأفضل.
اندفع وقتها إلى المخدرات للتغلب على مشاكله، فزاد وزنه بشكل مفرط وغير طبيعي، وبالتالي فقد أكثر ما كان يميزه وهو شكله الجميل الوسيم الذي يجذب المعجبين والمعجبات، وأصبح منظره مقذذاً من كثرة التورمات والتشوهات الناتجة عن الجرعات الكبيرة للمخدرات، وأخذ لقب "أقبح رجل في العالم" من نفس الجريدة التي أعطته لقب "أجمل رجل في العالم" قبلها بسنوات، ففقد شكله ومنظره الأفضل الذي كان يتمتع به.
وفي بداية السبعينات ورغم محاولات البعض لإيقاف الانهيار الحادث في حياة الفيس ومنها ما قام به الرئيس الأمريكي وقتها "ريتشارد نيكسون" وطلب منه أن يقود حملة لتوعية الشباب مخاطر المخدرات، ولكن للأسف كان هو بنفسه مستعبد للمخدرات، فضلاً أنه كان قد فقد قدرته التأثيرية على الشباب، وأصبح الملك نفسه هو مدمن مخدرات.
كان الانهيار سريعاً كما قال الكاتب الكبير "بيتر جوارليك" في كتابه "حب يقتل: قصة هبوط الفيس بريسلي" وهو نفس الكاتب الذي كان فد ألف كتاب عن صعود الفيس بريسلي للنجومية قبلها بسنوات، وهم الكتابان الأكثر مبيعاً في تاريخ كتب السيرة الذاتية.
بعد ذلك تكاثرت الديون عليه، وسيطر عليه الاكتئاب المزمن، فقرر أن يندفع في الغناء في الحفلات مرة أخرى لتعويض خسارته الكبيرة، فكان يغني حفلتين في اليوم ولكن لم يكن هو الملك الذي اعتاد عليه الجمهور، قكثيراً ما تلعثم في الكلام، ووقع على المسرح أكثر من مرة من تأثير المخدرات والاجهاد، وغضب على مساعديه فنفروا منه وتركوه لوحده لنهايته، التي كان يتمناها النهاية الأفضل.
وفي 16 أغسطس 1977، وجد أحد المقربين لالفيس "الملك" وهو فاقد الوعي في غرفة الاستحمام، وتم نقله بسرعة إلى المستشفى، وهناك كانت الصدمة الكبرى لكل عشاقه حتى الآن، حين تبين وفاة نجم الروك اند رول بجرعة زائدة من المخدرات وهو لم يتعد 42 عاماً.

الغرض من القص لا يوجد ما يريح في الحياة الا المسيح مصدر الشبع والاكتفاء والسلام ولسيما السلام تجاه الابدية